masreya

Tuesday, February 13, 2007

شغل كايرو 2

وسط البلد لازال كما هو في عيوني منذ كنت طفلة بأعوام قليلة في الحياة مليئة بالسعادة و المرح، وسط البلد لازال جميلا في عيوني، أعود من جديد تغمرني سعادة الساعات الصباحية و نحن نتجول مع أبي يوم الجمعة، و تعود نسمات الليل الصيفي تهب علي قلبي المجهد من الأحزان.

شارع هدي شعراوي و محلات التحف و الأثاث الهارب من قصور و بيوت مصر الثلاثينية و الأربعينية، صاحبها باشا أو أميرة من بيت الملك العلوي، أو تاجر ارمني، أو فنانة مسرح لبنانية، عاشوا هنا و يمكن ماتوا هنا أيضا.

هاهي مرآة كبيرة مذهبة قد وضعت يوما ما في مدخل فيلا كانت قائمة في أحد شوارع الزمالك أو جاردن سيتي أو المنيرة، كانت شبابيكها شاهقة، و جدرانها مزخرفة علي الطراز الأوروبي، حديقتها تفترش مساحة واسعة يعلو وسطها النخيل الملكي، شهدت أفراح و أحداث و استمعت إلى نقاش حاد حول أحقية الوفد في النجاح في انتخابات مجلس النواب القادم نظرا لشعبيته الجارفة و أنصتت للحن محمد عبد الوهاب عندما أداروا الجرامافون لأول مرة،
و هوت من عذوبة كلمات يا دنيا يا غرامي.

باب اللوق عندما اعبره حتى تقاطع "نوبار" و قهوة "استراند" ستتخلل رائحة البن المطحون مسامي و تعبق روحي بنشوة لا يعرفها الكثيرون، ميدان الفلكي يحمل لقطات لأمي أمام مدخل قاعة عرض الفنون الجميلة القائمة هناك، يمكن سنة 72 أو 74 عندما عادت صديقتها من بعثتها في إيطاليا (شلة الأهرام القديمة) "طنط بثينة " ، كان معرضها هناك، كانت رسامة، و كنت احبها كثيرا، فصوتها هادئ، و عيونها الخضراء الضاحكة تشع حب و أمل، كان شعرها كستنائي قصير، و جسمها ممتلئ بعض الشيء، تنورتها التي تصل إلى ما بعد الركبة بقليل، جواربها الشفافة، حذاؤها الأنثوي ذو الكعب العالي الرفيع، و بالأخص عقدها اللؤلئي السابح في سماء "بلوزتها" الصافية الزرقة، منظر بديع لا يمكنني أن أنساه، لوحة فنية احتفظت بمعالمها في قلبي عندما غابت عن ذاكرتي تفاصيل لوحات معرضها.
صديقة أمي الفنانة، تخلت منذ سنين مع بداية الثمانينيات، عن حلمها و معارضها و لوحاتها، و ذهبت مع زوج في إعارة إلي السعودية ، عندما سمعت صوتها في التليفون تسأل عنا بعد غيبتها الطويلة رقصت أطياف الألوان في قلبي، و استعدت المشاهد من معرضها، و تأكدت أنها ستزورنا قريبا.
فتحت الباب، سيدة غريبة تقف أمامي، تلتف في السواد و البني الداكن، لا تفاصيل علي الإطلاق، كتلة بشرية صماء، صادمة،
"أنت أكيد إيمان؟ كبرت، لكن شكلك لم يتغير"
"طنط بثينة؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!"
عرفتها من صوتها الهادئ و الذي لا يزال يحتفظ بعذوبته