masreya

Wednesday, December 07, 2005

الكيماوي

زينب: الكيماوي مش بيعمل كده!!! الألم هو اللي بيعمل كده
لمدة عشر سنوات عملت خلالها كطبيبة اورام هنا و في فرنسا، كان مشهد الألم هو العامل المشترك بين كل البشر، و كانت الحكمة و النضوج العقلي و العاطفي بل و الروحي هي ما يعكسه الانصهار ألما، و هذا علي كل المستويات الثقافية والعمرية و العقائدية، تجربة مرة و لكنها تعيد خلق المتألم و من حوله من جديد، لعل هذا هو وجه الرحمة فيها، مهما وصفت لك لن تقدري ما يفعله الوجع الخالص الذي يعتصر كل من يحيط بهذا المرض (العالم المختلف عن عالمنا المتصارع علي اللذة و النفوذ، أه لو يعلمون)لقد عايشت التجربة طبيبة و ابنة و صديقة لمن صارعوه، منهم من صرعه و منهم من انتصر عليه برغم الموت، الموت لا يعني ابداالهزيمة امام هذا المرض،الموت هنا هو مجرد خلاص الجسد من العذاب، بينما تبقي الروح منتصرة إلي الأبد
كان هذا هو تعليقي علي تدوينة بنت مصرية بعنوان جرعة مكثفة
لكنني بكيت بشدة و أنا أكتب لها، لدرجة جعلتني أقف عن الكتابة و اتذكر تفاصيل كثيرة كنت قد خبأتها في مكان قصي من القلب، لا افتحه الا نادرا لما يفعله بي من حزن عاصف، بينما فلحت أن استبقيه كحزن مقيم يختفي تحت ظلال المشاغل وروتين الحياة و الدوران في فلك المسؤليات المعتادة.
لكنني اليوم و أنا أقرا و أعلق علي مدونة زينب علمت كم انا موجوعة و مهزومة من الفقد الذي احدثه لي هذا المرض الغاضب الغامض الغادر.
التجربة شديدة الصعوبة و لا تنمحي اثارها ابدا تترك شيء ثقيل يعكر الزهو بالانتصارات المادية الزائفة التي نحققها
لقد تركت ممارسة الطب كلية بعد ان وصلت لليوم الذي لم اعد فيه استسغ طعم الحياة و لم اعد استطع الضحك من كل قلبي و اموت من شدته كما يقولون فالموت ضحكا هو اسطورة لم ارها غير انني رأيت عشرات عشرات الوجوه تموت حقيقة امام عيني وكثيرا ما صارعت معهم لحظات الاحتضار و الخلاص الاخيرة و الانسحاب من حياتنا تلك و انا لا استطيع ان اقدم لهم شيء سوي الإيناس و التواجد الحميم و هم يصافحون اخر صور الضوء و اخر اصوات البشر
كانت تجربتي معهم ترتفع بروحي و بقربي من الله، علي الرغم مما قد يوحيه مظهري و فكري الرافض للتقوي الشكلية الزائفة
كثير من مرضاي اصبحوا اصدقاء مقربين و فتحت لهم قلبي علي مصرعيه و اخذت منهم طاقات لا نهائية للحب و رأت عيناي جمال الوجوه برغم الاعتلال و اللون الداكن بفعل الدواء (الكيماوي) و تساقط الشعر و الرموش و الحاجب بمعني اخر تبدل الوجه المحدد الي وجه هلامي غير ذو ملامح و مع ذلك فلهم قدرة علي لفت انتباهك لجمال اخر اعمق دفين يشع من العين( نافذة الجسد المتهاوي التي تطل منها روح اصقلتها نيران العذاب الصامت في كثير من الأحيان)
احدهم تساأل عن ردود الفعل حين نكون نحن او احد المقربين هو من اتي عليه الدور لينزل حلبة المصارعة الرومانية القواعد امام الأسد الهائج الجائع المتربص بجسدنا النحيل اخيرا، ماذا نفعل كيف نتفاعل .....ببساطة نقبل المواجهة بشجاعة مهما اختلفت المواقع (زوجا زوجة ابن ابنة اب ام حبيب حبيبة صديق عمر (
نتقبل المواجهة كلنا لحظتها بشجاعة قد تصدمنا نحن شخصيا و حين يذهب الألم تبقي لنا بعض الأشياء في القلب هي صور و ذكريات و احزان نخالها لن تنمحي ابدا و معها تبقي قدرات من التحدي و التحمل و الصبر و قوة عجيبة للروح تصمد و تمضي بنا لنكمل الطريق بدون الحبيب الذي تركناه جسدا و الذي سيلازمنا منذ اليوم في كل اللحظات متواصلا معنا في الاحلام و الافكار و الحوارات الداخلية التي لن يسمعها احد سوي نحن و هو فقط
الي محمد الذي رحل جسدا متطهرا بنار الألم.. الصامت الراضي
الي نهلة التي ستفتقده ملايين ملايين المرات اكثر مما افعل
الي احمد ليعلم ان والده لازال معنا و ان روحه كانت شجاعة و نقية

6 Comments:


  • لم أفهم كيف يستطيع انسان ان يمتلك مشاعر صادقة وحقيقية ان يتعامل مع الألم كل يوم كما يضطر الأطباء ان يفعلوا
    وفي ذات الوقت اعتبر ما يقوم به بعض الأطباء من التعامل الميكانيكي مع المرضى أي بدون احساس انه جريمة لاتغتفر

    اخشى كثيرا على صديقتي من هذا الطريق الذي اختارته ان تسعى لتخفيف الام المرضى ، واعلم انه علي مثلما هو على كل القريبين منها ان يعملوا على تخفيف المها هي
    لانني اعلم ابضا انه لولا وجود هؤلاء الأطباء لأسبح الألم لا يحتمل

    أحزنني قولك انك ابتعدت عن ممارسة الطب لانني متاكدا من ان كل من قادته الظروف ان بتطبب على يدك قد نال ما لم يكن سيناله من اي شخص اخر وانه مهما كانت نتيجة ما حدث لجسده والذي هو مرتبط بالعلم والامكانيات الا انه ولا شك قد نال لروحه مكاسب كبرى


    ملاحظة: البعض يفكرون في عمل لمساعدة المرضى في مصر للحصول على حياة أفضل ولاشك انهم سيسعدون بان تنضمي لهم، فمتى كانت لديك الرغبة في التفاصيل ارجو ان تضعي ايميلك او تراسليني لاعرفك بالتفاصيل
    darsh_safsata@yahoo.co.uk

    By Blogger Darsh-Safsata, at 3:41 PM  

  • عزيزي درش صديق القلم و الاحساس بالألم
    انت محق فالتعامل مع المرضي كأوراق في ملف أو حالةهو ذنب لا يغتفر، أحيانا لا يعرفون حتي أسمه، فهو مثلا ال
    ALL (اللوكيميا الليمفاوية الحادة اللي محجوزة في أودة 17 يا بيه؟
    غالبا لا يذكرون الأسم يكتفون بأسم المرض فهم هنا لا يعالجون، اذا عالجوا فرضا، الانسان لكنهم يعالجون المرض هذا يحدث في مصر و مصر فقط علي ما اعتقد، ففي أوروبا، و الدول المتقدمة و أنا لا استخدم التعبير للسخرية و لكن لأن هذا هو ما يفرق فعلا بين التقدم الأنساني و التخلف في المشاعر و الأحاسيس، يعالجون الأنسان كاملا ككائن راقي له احتياجات روحية و عاطفية و فكرية، هناك رأيت كيف يتواضع الأستاذ العالم(بكسر اللام) و يفسح صدره لتساؤلات المريض و مخاوفه و يناقشه أيضا في جدية العلاج من عدمها و علي أي اساس سيتم تفضيل هذا البرنامج العلاجي علي غيره و هكذا.بينما يتأفف الاستاذ الدكتور رئيس القسم و العالم (بفتح اللام) من مجرد سؤال يهم بطرحه المريض او أهله ولا يكون هناك حوار بين بشر متعادلين في الإنسانية بل مونولوج فوقي استعلائي من لدن صاحب العبقرية و العلم الغزير

    By Blogger ايمان, at 7:24 AM  

  • بجد الكلام مش محتاج تعليق
    فكرنى بمجموعة قصصية للروائى الراحل وائل رجب
    اللى مات و عنده 27 سنة فى فرنسا
    بس كان بيكتب عن النفاصيل دى لأخر 3 ساعات فى حياته

    By Blogger hesterua, at 7:41 AM  

  • أحاول التعليق ثم أمسح ما كتبت
    حزنك أوجعني ثم ابهجني أنكِ كنتِ هناك، مع هؤلاء المتألمين

    ألا تفكرين في العودة لساحة القتال؟

    By Blogger African Doctor, at 8:10 PM  

  • اعلم انه لا مجال لمفارنة العلاقة بين الطبيب والمريض في بلادنا ومثيلتها في الدول المتقدمة
    ولكن هل نحجوا فعلا في الغرب في ايجاد حل المعادلة الصعبة ان بتعامل الطبيب انسانيا مع المربض وفي ذات الوقت يستطيع ان يواصل حياته دون ان بعصره الالم كل يوم؟
    انني اذكر ان فيلم
    the doctor
    قد ناقش قضية ما اسميه التعامل الميكانيكي، وهو بالضبط كما ذكرت ان الأطباء لم يكونوا بعرفون اسماء مرضاهم
    فاعتقد ان هذه المشكلة موجودة ايضا لديهم
    الفيلم ماخوذ عن قصة حقيقية بالولايات المتحدة ولا اعرف ان كان هناك فرق جوهري بين اوربا والولايات المتحدة في هذا الامر

    By Blogger Darsh-Safsata, at 8:48 PM  

  • ..منك لله يا إيمان
    ..فكرتيني و أنا أصلا مابنساش

    By Blogger Nour, at 4:46 AM  

Post a Comment

<< Home