اهداء الي فلان الفلاني
النساء في عربات المترو المخصصة لهن، يشكلن صورة حية لمستوي الوعي في المحروسة بما تعكسه الملابس وما يترجمه الكلام المتناثر بينهن .
فابتداء، هن خليط من الازياء المتنافرة، الاكثرية منها يجنح نحو العصور الظلامية (حيث كانت الاناث، إما حرائر لا يجوز شرائهن و بيعهن، لاسباب تتعلق بقوة المالك الاصلي، الذي ما ان يضعف او ينهزم، حتي تتحول ملكياته الخاصة الي مشاع عام و من ضمنها الاناث تبعه،
و القسم الثاني يستنتج بقراءة الجزء السابق فهن من يملكهن بماله اليوم المالك الاقوي
و كن بالامس حرائر
فتستشعر و انت علي مقربة منهن ان الجمل و الهودج بانتظارهن عند محطة الوصول
قسم اخر يمثل فتيات مراهقات و شابات يتمثلن هيفاء وهبي و أخوتها كمثل اعلي سواء في المظهر او المخبر و ان كان الجمال هو من الاشياء المستبعدة في المقاربة
هناك ايضا الموظفات المحجبات البدينات اللاتي لا شكل لهن من هول القهر و الضغوط و العذاب اليومي لمواصلة الحياة حتي اليوم التالي
هناك طالبات الجامعة اللاتي ما ان تفتح احداهن فمها حتي تتمني لو لم تكن حاسة السمع غير ارادية، فما ينطقن به جهل مغلف بالتفاهة و التغييب
بنات ثانوي و اعدادي و ابتدائي: كارثة محققة، فلا مستوي الالفاظ البذيئة المستخدمة او همجية التصرفات و لا كم البشاعة و عدم التنسيق في مظهرهن الذي لا ينم عن براءة و لا عن تعليم و لا عن تربية بأية حال من الاحوال
يضم ايضا مجتمع عربة السيدات نساء بسطاء جدا رقيقات الحال منهن من يشحتن، او يبعن اشياء تافهةو رخيصة، او ببساطة يقفن متسمرات في اماكنهن، انتظارا لمحطة الوصول التي قد تعني بيت يعملن فيه، او حضانة يخدمن فيها و ما شابه
لا تجد في ايديهن شيئا يقرأنه سوي المصاحف، بعض الكتيبات التي تتحدث عن النار و العذاب في القبر و الدعاء المستجاب، و ما الي ذلك أو ملخصات شرشر للطلبة، يستوي في ذلك المدارس او الجامعة،
بعض الفتيات المسيحيات اللاتي يحاولن اثبات وجودهن ايضا و اثبات البطاقة الدينية "عوضا عن هوية الوطن، فيتبدل الحجاب او النقاب او السدال، و هي تنويعات علي لحن اخفاء كل ما هو انثوي، لتجد اما الصليب الموشوم، او المعلق ، او الترنم بالكتاب المقدس، اتفاق بين الجميع علي الاشتراك في الانغماس الكامل في تدين يظهر جليا للكل و من لم يلتفت اليه هناك الف طريقة للفت نظره، كأن تصعد تلك الفتاة من محطة ما، هي دائما تضع خمار، او اسدال او نقاب، و تهتف بقوة في الواقفات، حتي انهن يفزعنني اذا كنت مركزة في قراءة كتاب معي، وتبدء بهيا يا اخوات لنتلوا معا دعاء الركوب، و تستمر بين همهمات تعلو و تخفت بحسب حماس المرددات وراءها الدعاء
و كأننا في مظاهرة
كنت كثيرا ما اتأملهن و احاول ان استشرف ما يفكرن فيه،
حتي كان ذلك اليومالذي لم استطع ان اقف متفرجة، تشجعت و تكلمت معهن، نسجت حوارا انسانيا قربني لأول مرة من راكبات المترو اللاتي يحطن بي من كل جانب و مع ذلك كنت بينهن كمن تحيط به شرنقة حريرية، فلا مظهري و لا وقفتي في الركن بكتاب في يدي، عنوانه يتراوح بين اثار العولمة علي الاقتصاد في بلاد العالم الثالث، او تفسير القرأن للامام محمد عبده، او عناوين انجليزية و فرنسية تتحدث عن السينما و التنمية
عندما شرعت ذلك اليوم في الحديث معهن لمست انسانيتهن لاول مرة
الحكاية الاولي: الناس في كفر عسكر،